مدافعون بولنديون عن حقوق الإنسان والديمقراطية
مدافعون بولنديون عن حقوق الإنسان والديمقراطية
منذ سبع سنوات وبولندا متأخرة في التصنيف الخاص بالحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية. وفقًا لتقرير صدر مؤخرًا عن منظمة "فريدم هاوس"، شهدت بولندا أكبر تراجع في الديمقراطية في السنوات الخمس الماضية من بين 29 دولة في أوروبا الوسطى والشرقية وآسيا الوسطى. ويعزى هذا التراجع في المقام الأول إلى تدهور سيادة القانون. أدخل حزب القانون والعدالة (PiS) الحاكم عدة إصلاحات بهدف واحد فقط: إخضاع القضاء لسيطرة الائتلاف الحاكم. وأصبحت الصلة الوثيقة بين سيادة القانون وحقوق الإنسان - التي كانت غير ملحوظة سابقًا - واضحة عندما لم يعد النظام القضائي في بولندا يعمل كضامن للحقوق الأساسية. ياروسلاف كاتشينسكي، الزعيم غير الرسمي لبولندا والمتحمّس لبعض المفاهيم مثل الثورة المناهضة للمؤسسة والثورة المناهضة للحرية، يعتقد أن النظام القانوني بحاجة إلى التفكيك وإعادة البناء من الألف إلى الياء. جنبًا إلى جنب مع وزير العدل ومكتب المدعي العام المطيع في حكومته، والذي هو في الوقت نفسه رئيس الحزب الراديكالي الناشئ المشارك في الائتلاف، نفذ كاتشينسكي خطته المتمثلة في التفكيك الممنهج للسلطة القضائية، حيث بدأوا بالمحكمة الدستورية وعينوا بها الموالين لحزب القانون والعدالة. ثم سيطروا على المجلس الوطني للقضاء لشن هجوم مباشر على المحاكم العادية.
أثارت تصرفات حزب القانون والعدالة نزاعًا غير مسبوق في المؤسسات الأوروبية. في ديسمبر 2021، أعلنت المفوضية الأوروبية أنها فتحت تحقيقًا جديدًا ضد بولندا لانتهاكها حقوق الاتحاد الأوروبي واستقلال قضائها. وفي مايو 2022، أصدر البرلمان الأوروبي قرارًا يدعو مؤسسات الاتحاد الأوروبي الأخرى إلى إظهار "التزام صادق" وإحراز "تقدم كبير" لمعالجة تدهور قيم الاتحاد الأوروبي في بولندا. في العام الماضي، غرمت محكمة العدل الأوروبية (EGH) بولندا مليون يورو عن كل يوم لمنع ما وصفته بأنه "ضرر جسيم ولا يمكن إصلاحه" بالنظام القانوني للاتحاد الأوروبي وقيمه. واليوم تصل الغرامات اليومية لعدم الامتثال لأمر تعليق الإجراءات التأديبية للقضاة إلى أكثر من 160 مليون يورو. نظرًا لتجاهل بولندا للمبادئ الأساسية لسيادة القانون، لم تتم الموافقة بعد على خطة التعافي والصمود الوطنية البولندية. وهذا يعني أن بولندا لا يمكنها الانتفاع من مبلغ 35,97 مليار دولار المقدم من الاتحاد الأوروبي لتعزيز اقتصادها بعد جائحة كورونا.
لم يكن بمقدور حزب القانون والعدالة إلغاء الاستقلال القضائي لولا العاملين التاليين: أولًا، هناك عدم ثقة عام في المهن القانونية وإحباط من طريقة عمل المحاكم. استغل حزب القانون والعدالة معرفته بهذا الأمر لحشد ناخبيه ضد القضاة. ثانيًا، كان عزل القضاة المستقلين بشكل غير مسبوق ممكنًا فقط بسبب وجود مجموعة من المحامين المتواضعين وذوي الأداء الضعيف المتعطشين للنجاح والذين أرادوا التقدم في التسلسل الهرمي المهني والسياسي وكانوا على استعداد للخضوع الكامل لأجل هذا الغرض. كان القضاة المستقلون، والمدعون العامون، والمحامون المتفانون، وما إلى ذلك أول ضحايا النظام القمعي الذي أنشأه ياروسلاف كاتشينسكي وزملاؤه. ومع ذلك، فإن المحامين لم يستسلموا، إذ أثبتوا أنهم، على الرغم من الظروف بالغة السوء، يدعمون الحقوق الأساسية للمهن القانونية والقيم الليبرالية والأوروبية الأساسية. ومثل القضاة المستقلين الآخرين الذين عزلهم مسؤولو حزب القانون والعدالة، أظهر القضاة مونيكا فراكوفياك وبافل يوشتشيشين وإيغور تولييا موقفهم البطولي. حيث تجرأ القاضي تولييا في قاعة المحكمة على انتقاد سلطات حزب القانون والعدالة لانتهاكها الدستور، بما في ذلك منع أحزاب المعارضة من حضور جلسات البرلمان. وبعد هذا الحكم، كان القاضي تولييا نفسه هدفًا للادعاء العام. وجردته هيئة التأديب السياسية من حصانته وعزلته من منصبه بسبب مخالفات يُزعم اكتشافها أثناء مراجعة أحد أحكامه. إلا أن محكمة مقاطعة وارسو أعادته مؤخرًا لمنصبه. ويقوم بافل يوشتشيشين وبعض القضاة الآخرين في ستراسبورغ بحملة لإرساء العدالة.
كما يناضل المدعون أيضًا من أجل استقلالهم، وهو أمر صعب للغاية بسبب مركزية النظام برئاسة الوزير زبيغنيو زيوبرو. أي إشارة إلى عصيان مشتبه به تتم المعاقبة عليها وتجر خلفها إجراءات تأديبية. بحلول نهاية عام 2016، تم بالفعل استبدال أو تخفيض رتب حوالي 500 مدع عام في جميع أنحاء البلاد. وفي يناير 2021، تمت معاقبة سبعة مدعين عامّين ونقلهم بعيدًا عن مكاتبهم وأماكن إقامتهم السابقة. أحدهم، إيفا فجوسيك، تم التجسس عليها بشكل غير قانوني من قِبل الحكومة باستخدام نظام (برنامج) بيغاسوس، الذي يمكنه تسجيل المحادثات أو تسجيل الموقع أو تنشيط الكاميرا سرًا (من بين ضحايا بيغاسوس الآخرين في بولندا كان رومان جيريتيه، محامي العديد من السياسيين المعارضين). أدرك العديد من المحامين أنه في وقت الهجوم المستمر والاتهامات، لا يمكن أن تقتصر أنشطتهم على القيام بعمل جيد في قاعة المحكمة. ومن ثمّ، شارك العديد منهم في مشروع "جولة في الدستور"، وهو حدث إعلامي يسافر القضاة والمحامون فيه عبر البلاد، بما في ذلك إلى المدن الصغيرة في الشرق، حيث تمكن حزب القانون والعدالة من الفوز بأغلبية ساحقة، لشرح لماذا يجب علينا جميعًا أن نهتم بسيادة القانون.
لا شك أن المحامين في بولندا وجدوا أنفسهم في خضم معركة سياسية حول حقوق الإنسان وسيادة القانون. لقد تركوا قسرًا مكاتبهم المظلمة وقاعات المحاكم وأصبحوا شخصيات عامة ورموز مقاومة ضد النظام المناهض للحرية. فهم مدافعون أوروبيون حديثون عن حقوق الإنسان. كما يلهمون ويقدمون مساعدة عملية للمجموعات الأخرى التي تتعرض للهجوم من قِبل الحزب الحاكم في بولندا. وهم من منعوا حزب القانون والعدالة من تجريد البولنديين من حقوقهم الأساسية وتحويل بولندا إلى دولة أوتوقراطية، وهو حلم يسعى إليه كاتشينسكي، فهم يضمنون بقاء بولندا جزءًا من أوروبا.
Polen